منتديات ديوانية بني شهر - السيرة الذاتية لجيل ماقبل العولمة وبعده .

حقيقةً أستوقفتني المتغيرات الحاصلة في هذا الزمن وأخذتني الذاكرة الى سنين مضت سواءً لمن في عمري أو ما سلف من الاباء والاجداد وما طرأ من متغيرات لم تكن في الحسبان .. ففي زمن أبي وجد كان تحرك الناس في حدود القرية والقبيلة ونظرتهم محدودة تنحصر فيما حولهم من مدخرات كالحراثة والزراعة ورعي الاغنام والتزاوج فيما بينهم كقبيلة بثمن زهيد وتكاليف لا تتعدى (صحفة عيش ) أو ما يماثلها من قوت البلد .. كانت الامور ميسرة رغم الحاجة وقلة ما ف اليد .. لم يعرفوا العولمة بشكل أوسع يتيح لهم معرفة الاخر لبعد المسافات ووعورة الطرق إلا في بعض الاحيان من السنة وعلى مضض.. أوإذا تيسر لإحدهم الذهاب للحج أو العمرة فالذاهب منهم مفقود حتى عودته وتنقطع أخباره شهور عدة .. فمنهم من يعود ومنهم من يتوفاه الله ف الحج أو الطريق .. لم تكن وسائل المواصلات ميسرة وأغلبها مشياً على الاقدام شهوراً ذهاباً وأياباً .. كانت المعاناة وأضحة وجلية ولكن العزيمة على أداء الفريضة كانت من أولوياتهم .. وعند عودتهم من الحج سالمين غانمين بما من الله عليهم من أداء فريضة الحج وما حملوه معهم من هدايا لإهلهم ومن يحتفي بهم من القرية .. في تلك اللحظات تستنفر القرية وتنفض ما بداخلها من رجال ونساء وأطفال والخروج على قارعة الطريق مهللين ومستبشرين بقدوم الخطار (المسافرين ) مع إطلاق الاعيرة النارية كنوع من الفرح والابتهاج وإشعار القرى المجاورة ومن في أطراف القرية بعودة غائبهم طيلة تلك الفترة .. تعتبر تلك الليلة جميلة وعيد ع الجميع فهم يتوافدون الى منازل العائدين للتحمد لهم بالسلامة والتسامر معهم في جو مفعم بالابتسامات والدعابة ثم توزع الهدايا للأهل والمقربين والاصدقاء وإعداد وليمة يحضرها الجميع .. أخذ هذا السيناريو من المعاناة سنوات طويلة والناس على هذا الحال مع التحرز من المخاطر كالنهب والسلب تجمعهم القبيلة عصبة وأحده لمواجة تلك المخاطر.. حتى من الله على هذا البلد بقيادة حكيمة تمثلت في والد الجميع الملك عبدالعزيز رحمه الله فأستتب الامن وتغيرت المعيشة للافضل وبدأ الناس يخرجون من القرية لطلب الرزق بما وفرته الدولة من وظائف في حينه .. أستمر هذا الوضع لكنه يتحسن يوماً بعد يوم وعام بعد عام مع تعاقب حكام هذا البلد المعطاء ..فنمت الدولة وتغيرت ملامح الوطن وتحسن الحال وأنقشعت الغمة وبدأ يتلاشى الفقر والحياة الضنكة حتى أصبحنا فيما نحن فيه الآن من رغد العيش والرفاهية .. من هنا وبعد هذه السنين من العناء والعزلة عن العالم الخارجي عالم المدينة وماهو خارج حدود الدولة .. وجدنا أنفسنا نتربع في حظن العولمة وأصبح لدينا أصدقاء من جنسيات مختلفة وتطبعنا بطباع بعض حتى أصبح بعضنا يتنكر للقرية ولمسقط رأسه بحجة التغير الحاصل والبدائل المثيرة والمريحة ورغد العيش المترف .. حتى أصبحنا نشاطر العالم في قرية وأحدة تجمعنا العولمة بدلاً من قريتنا اليتيمة التي تركناها وراء ظهورنا ف الزمن الغابر .. فهل ياترى ماذا يخبيء لنا القادم من متغيرات تفوق العولمة ؟!!
تحياتي للجميع