منتديات ديوانية بني شهر

تأملوها جيدا

للكاتب / عبد الله خميس الغامدي

هناك فئات من الناس تعاني .. وتشتكي مما حل بها وتقاسي .. بها الم ، وبها حزن ، وبها معاناة .. ومع هذا لها طموحات واماني .. لو سألتهم عن حالهم لأجابوا ، بكل حرقة ومرارة نطقوا وتكلموا .. اتدرون من هم ، وماذا يريدون ، وماهي حالتهم وكيف يعيشون ...
يقول اولهم ، بحركاته ليس بكلامه : اتدرك حجم معاناتي ، اتدرك كم هي قاسية اناتي ، ارى امي امامي ، لا ادري م تق...ول ، وماذا تريد ، ارى شفتيها تتحرك ، ولكن طلبها لم يصل الي ، ارى ابتسامتها وضحكها مع اخوتي وانا لا اعلم لماذا ، اراهم يتكلمون ، ويتحدثون ، وفجأة اذا هم يسكتون ، ماذا بهم ، اسأل ، ويجيبني احدهم باشارة يقول انه الاذان ، معاناتي عندما اذهب واصطف مع المصلين وأفعل معهم حركات دون ان اسمعها ، معاناتي تريد ان تعرفها ؟ عش يوما بدون ان تسمع .. وستدرك كم هي حجم معاناتي .. كم اشتاق الى ان اسمع الاذان ، كم اشتاق الى ان اسمع كلام الرحمن ، كم اشتاق ان اسمع كلام ابي وامي الحبيبان ، ومع هذا اغمض عيني واقول الحمد لله ، ربما لو اسمعني الله لابتعدت عنه ، لسمعت الاغاني والملهيات ، واسرفت في سماع المعازف والالات ، ولعل ان يكون لي عذر يوم ان القى رب الارض والسموات ..
اخذ الاخر في الكلام ثم قال : اصعب شيء في الحياة ، ان تصف شيئا دون ان تراه ، تعلم ان هناك حدائق واشجار ، وان هناك سماء وبحار ، وان هناك جبال وانهار ، لاتعلم كيف هي ، وانما وُصِفت لك وصفا ، معاناتي عندما اريد الذهاب الى اي مكان ، لابد لي من قائد ، عيناي هي عصاتي اللي امشي عليها ، امشي واتعثر ، واسقط بين الحفر ، ولا اعلم هل تحتي تراب او حجر ، ولا اعلم هل امامي شجر او مدر ، معاناتي ان اذهب مع اهلي الى منتزه او حديقة ، لا اعلم كيف هي ، وما هو شكلها ، واسمع صيحات اخوتي فرحين مستبشرين ، ضاحكين مستمتعين ، وانا لا اعلم سوى انهم راوا ما يسعدهم ، معاناتي ان اسمع الاذان ، واريد ان اذهب الى المسجد ولكن مرتبط مع اخوتي ، ان تاخروا تاخرت ، وان بادروا بادرت ، معاناتي ان احس بحنان يدي امي ولا اراها ، ان اسمع كلامها اللطيف دون ان ابصرها ، ان اسمع كلام ابي دون انظره ، ودون ان ابصره ، عش يوما واحدا دون ان ترى غير ظلام في ظلام فستعلم كم هي معاناتي ؟
كم اشتاق الى ان ارى امي وابي ، كم اشتاق الى ان افتح المصحف واقراه ، واتامل حروفه ، كم اشتاق ان اتامل في ملكوت السماء والارض ، كم اشتاق ان اذهب وحيدا من دون مساعدة من احد ، ومع هذا كله اقول الحمد لله ، ربما لو رايت لاسرفت في مشاهدة الفواحش والمنكرات ، ولعل ان يكون لدي عذر يو القى رب الارض والسموات ، ولعل الله ان يدخلني بسبب هذا العمى الجنة ..
حينها ذرفت من عيني دمعة ، واردت ان اترك الاعمى ومن معه ، لكن اشر الي احدهم ، وكانه يقول انا لم تسمع عن معاناتي ..
جلست .. واخذ يؤشر لي ويقول .. انا احسن منهم حالا .. فانا اسمع وارى .. اسمع الاذان . واسمع كلام الرحمن . وارى امي وابيً الحبيبان ، لكن معاناتي ، انني اريد اخاطب امي وابي ، واتكلم مع اخوتي ، معاناتي انني اريد ان أُسمع من حولي صوتي ، لان اغلبهم لا يفهم اشاراتي ، معاناتي حينما يسالني احدهم عن اسمي ، ولا استطيع ان اجيب ، او حتى اشير بيدي ، عش يوما بدون ان تتكلم ، وستشعر باناتي ..!
آه ثم آه .. كم اشتاق الى سماع صوتي .. كم اشتاق ان ارتل كلام الرحمن .. وكم اشتاق ان اتكلم مع فلان .. كم اشتاق الى ان اصيح مثل الاطفال .. وكم اشتاق ان اتكلم مثل الرجال ..
ثم قال : الحمد لله .. فلربما لو انطقني الله لقلت كلمة دون ان القي لها بالا تلقيني في جهنم سبعين خريفا .. ولعل ان يكون لي عذر عند رب السموات العلا ..
سكتوا جميعا ، واخذت اقلب بصري بينهم ، وحينما اردت المغادرة ، اوقفوني وقالوا بالسنتهم وحركاتهم .. وانت .. يا من تسمع .. يا من تبصر .. يا من تتكلم .. مم تعاني ؟!
اجبت قائلا : نسمع ولكن نسمع الاذان ، وبعضنا لا يلبي ، نسمع القران ، واغلبيتنا لا يؤثر فيه ، وبعضنا يسمع الاغاني ويقول متاثرا بها يـ ( لبيه ) ، و نسمع الام تصيح ونتجاهلها ، ونسمع الاب ينادي ولا نلبيه ، انعم الله علينا بالسمع واغلبيتنا اطلقه في سماع الاغاني والمنكرات ، وسماع المعازف والالات ،.
ننظر ونرى لكننا. نرى المصحف وقلّما نقرأ فيه ، ونادرا ما نتدبر معانيه ، نرى المسجد وبعضنا لا يأتيه ، نرى الاب واغلبيتنا لا يقبل رأسه ويديه ، نرى الام متعبة منهكة وبعضنا لا يراعيها ، بل يصرخ عليها ، ويزيد من تعبها وهمها والمها ..
نرى السماء والبحار ونادرا ما نقول سبحان من سواها .. نرى الجبال والانهار .. ونادرا م نقول سبحان من ابدع صنعها .. ومن اجراها .. ترى الاشجار والازهار

ونادرا م نقول سبحان من خلقها ،، وبالجمال زينها ..
.. نتكلم لكن في الغيبة ، ونتحدث في النميمة ، ونادرا م تجدنا مستغفرين .. نقول الشائعات ، وننشر الاحاديث والاقاويل الكاذبات ، ونادرا م تجدنا لله ذاكرين .. نخوض في الاعراض ، ونهتك الاستار ، ونفشي الاسرار .. ونادرا ما تجدنا للقرآن تالين ..
ولانملك عذر اذا وقفنا امام الله .. حينما يقول يا عبدي انعمت عليك بالسمع والبصر والكلام فماذا فعلت فيها .. بماذا نجيبه .. يارب سمعنا وعصينا ، وعن سماع الايات والتدبر فيها اعرضنا ، وللمعازف والاغاني اسرفنا واكثرنا ، جعلت لنا بصرا ولكن لم نقرا الايات ، ونظرنا الى الافلام والمسلسلات ، وجعلت لنا لسانا ، فتتبعنا به العورات ، وتكلمنا في عرض المحصنين والمحصنات ، وتطاولنا به على الاباء والامهات ..
هذه هي معاناتنا .. وهذا هو حالنا الا ما رحم ربنا .. ولا يعرف نعمة الله الا من فقدها .. وكلنا ذاك الغافل .. فلنصحح سويا طريقنا .. ولنعود ونشكر ربنا .. ونستغفر الهنا .. فانه غفور رحيم