بسم الله الرحمن الرحيم
كان بالبصرة عابد حضرته الوفاة ..
فجلس أهله يبكون حوله فقال لهم أجلسوني
فأجلسوه فأقبل عليهم
وقال لأبيه:يا أبت ما الذي أبكاك ؟
قال : يا بنى ذكرت فقدك
وانفرادي بعدك
فالتفت إلى أمه وقال :
يا أماه ما الذي أبكاك ؟
قالت : لتجرعي مرارة ثكلك
فالتفت إلى الزوجة وقال :
ما الذي أبكاك ؟
قالت : لفقد برك وحاجتي لغيرك
فالتفت إلى أولاده وقال :
ما الذي أبكاكم ؟
قالوا : لذل اليتم والهوان من بعدك
فعند ذلك نظر إليهم وبكى !
فقالوا له : ما يبكيك أنت ؟
قال أبكي لأني رأيت كلا منكم
يبكى لنفسه لا لي !
أما فيكم من بكى لطول سفري ؟ أما فيكم من بكى لقلة زادي ؟
أما فيكم من بكى لمضجعي في التراب ؟
أما فيكم من بكى لما ألقاه من سوء الحساب ؟
أما فيكم من بكى لموقفي بين يدي رب الأرباب ؟
ثم سقط على وجهه فحركوه , فإذا هو ميت .
سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَنـي
**
وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي
وَلي بَقايــا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها
**
الله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ
مـَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني
**
وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ
**
ولا بُكاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حـَزَنِ
أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً
**
عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُها
**
وانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها
**
هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ
نعم أيها الإخوة مشاهد
الموت تمر أمام أعيننا
كل يوم , بل كل ساعة ,
ولكن قليل منا من
يتعظ بتلك المشاهد ,
ومن تؤثر فيه صورة
النعش وقد حمل فيه
الميت على الأعناق
ليواروه في التراب
قال تعالى :
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ
الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ
وقال تعالى :
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ
فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ