02-17-2011, 11:43 AM | #151 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) ولو رحمناهم وكشفنا عنهم ما بهم مِن قحط وجوع لَتمادوا في الكفر والعناد، يتحيَّرون ويتخبطون. وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) ولقد ابتليناهم بصنوف المصائب فما خضعوا لربهم, وما دعوه خاشعين عند نزولها. حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) حتى إذا فتحنا عليهم بابًا من العذاب الشديد في الآخرة، إذا هم فيه آيسون من كل خير، متحيرون لا يدرون ما يصنعون. وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (78) وهو الذي أنشأ لكم السمع لإدراك المسموعات، والأبصار لإدراك المرئيات، والأفئدة لتفقهوا بها, ومع ذلك فشكركم لهذه النعم المتوالية عليكم قليل لا يُذْكَر. وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وهو الذي خلق جميع الناس في الأرض، وإليه تُحشرون بعد موتكم، فيجازيكم بما عملتم من خير أو شر. وَهُوَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (80) وهو وحده الذي يحيي من العدم، ويميت بعد الحياة, وله تعاقب الليل والنهار وتفاوتهما, أفلا تعقلون قدرته ووحدانيته؟ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ (81) لكن الكفار لم يصدقوا بالبعث، بل ردَّدوا مقولة أسلافهم المنكرين. قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) قالوا: أإذا متنا وتحللت أجسامنا وعظامنا في تراب الأرض نحيا مرة أُخرى؟ هذا لا يكون ولا يُتصور. لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (83) لقد قيل هذا الكلام لآبائنا من قبل, كما تقوله لنا يا محمد، فلم نره حقيقة, ما هذا إلا أباطيل الأولين. قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) قل لهم: لمن هذه الأرض ومَن فيها إن كان لديكم علم؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) سيعترفون حتمًا بأنها لله، هو خالقها ومالكها، قل لهم: ألا يكون لكم في ذلك تذكُّر بأنه قادر على البعث والنشور؟ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) قل مَن رب السموات السبع ورب العرش العظيم, الذي هو أعظم المخلوقات وأعلاها؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) سيقولون حتمًا: هو الله، فقل لهم: أفلا تخافون عذابه إذا عبدتم غيره؟ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) قل : مَن مالك كل شيء ومَن بيده خزائن كل شيء، ومَن يجير مَنِ استجار به، ولا يقدر أحد أن يُجير ويحمي مَن أراد الله إهلاكه، ولا يدفع الشر الذي قدَّره الله، إن كنتم تعلمون ذلك؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ (89) سيجيبون: بأن ذلك كلَّه لله, قل لهم: كيف تذهب عقولكم وتُخْدَعون وتُصْرفون عن توحيد الله وطاعته، وتصديق أمر البعث والنشور؟ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) بل أتينا هؤلاء المنكرين بالحق فيما أرسلنا به محمدًا صلى الله عليه وسلم، وإنهم لَكاذبون في شركهم وإنكارهم البعث. مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) لم يجعل الله لنفسه ولدًا، ولم يكن معه من معبود آخر; لأنه لو كان ثمة أكثر مِن معبود لانفرد كل معبود بمخلوقاته، ولكان بينهم مغالبة كشأن ملوك الدنيا، فيختلُّ نظام الكون، تنزَّه الله سبحانه وتعالى وتقدَّس عن وصفهم له بأن له شريكًا أو ولدًا. عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) هو وحده يعلم ما غاب عن خلقه وما شاهدوه، فتنزَّه الله تعالى عن الشريك الذي يزعمون. قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) قل - أيها الرسول -: ربِّ إما ترينِّي في هؤلاء المشركين ما تَعِدُهم مِن عذابك فلا تهلكني بما تهلكهم به، ونجني من عذابك وسخطك، فلا تجعلني في القوم المشركين الظالمين، ولكن اجعلني ممن رضيتَ عنهم. وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) وإننا لَقادرون على أن نريك ما نَعِدُهم من العذاب. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) إذا أساء إليك أعداؤك - أيها الرسول - بالقول أو الفعل فلا تقابلهم بالإساءة، ولكن ادفع إساءتهم بالإحسان منك إليهم، نحن أعلم بما يصفه هؤلاء المشركون من الشرك والتكذيب، وسنجازيهم عليه أسوأ الجزاء. وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) وقل - أيها النبي -: رب أستجير بك من إغواء الشياطين ووسوستها, المغرية على الباطل والفساد والصد عن الحق، وأستجير بك- يا رب- مِن حضورهم في شيء من أموري. حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) يخبر الله تعالى عن حال المحتضر من الكافرين أو المفرطين في أمره تعالى، حتى إذا أشرف على الموت، وشاهد ما أُعِدَّ له من العذاب قال: رب ردُّوني إلى الدنيا. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) لعلي أستدرك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة. ليس له ذلك، فلا يجاب إلى ما طلب ولا يُمْهَل. فإنما هي كلمة هو قائلها قولا لا ينفعه، وهو فيه غير صادق، فلو رُدَّ إلى الدنيا لعاد إلى ما نُهي عنه، وسيبقى المتوفَّون في الحاجز والبَرْزخ الذي بين الدنيا والآخرة إلى يوم البعث والنشور. فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (101) فإذا كان يوم القيامة، ونفخ المَلَك المكلَّف في "القرن"، وبُعِثَ الناس من قبورهم، فلا تَفاخُرَ بالأنساب حينئذ كما كانوا يفتخرون بها في الدنيا, ولا يسأل أحد أحدًا. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (102) فمن كثرت حسناته وثَقُلَتْ بها موازين أعماله عند الحساب، فأولئك هم الفائزون بالجنة. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) ومن قَلَّتْ حسناته في الميزان، ورجحت سيئاته، وأعظمها الشرك، فأولئك هم الذين خابوا وخسروا أنفسهم، في نار جهنم خالدون. تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) تَحْرقُ النار وجوههم، وهم فيها عابسون تَقَلَّصَتْ شفاههم، وبرزت أسنانهم.
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:43 AM | #152 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) يقال لهم: ألم تكن آيات القرآن تتلى عليكم في الدنيا، فكنتم بها تكذبون؟ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) لما بلَّغتهم رسلهم وأنذرتهم قالوا يوم القيامة: ربنا غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا المقدَّرة علينا في سابق علمك، وكنا في فعلنا ضالين عن الهدى. رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) ربنا أخرجنا من النار، وأعدنا إلى الدنيا، فإن رجعنا إلى الضلال فإنا ظالمون نستحق العقوبة. قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108) قال الله عز وجل لهم: امكثوا في النار أذلاء ولا تخاطبوني. فانقطع عند ذلك دعاؤهم ورجاؤهم. إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) إنه كان فريق من عبادي- وهم المؤمنون- يَدْعون: ربنا آمنا فاستر ذنوبنا، وارحمنا، وأنت خير الراحمين. فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) فاشتغلتم بالاستهزاء بهم حتى نسيتم ذكر الله, فبقيتم على تكذيبكم، وقد كنتم تضحكون منهم سخرية واستهزاء. إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ (111) إني جزيت هذا الفريق من عبادي المؤمنين الفوز بالجنة؛ بسبب صبرهم على الأذى وطاعة الله. قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) ويُسْألُ الأشقياء في النار: كم بقيتم في الدنيا من السنين؟ وكم ضيَّعتم فيها من طاعة الله؟ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ (113) قالوا لِهول الموقف وشدة العذاب: بقينا فيها يومًا أو بعض يوم، فاسأل الحُسَّاب الذين يعدُّون الشهور والأيام. قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) قال لهم: ما لبثتم إلا وقتًا قليلا لو صبرتم فيه على طاعة الله لفزتم بالجنة، لو كان عندكم علم بذلك؛ وذلك لأن مدة مكثهم في الدنيا قليلة جدا بالنسبة إلى طول مدتهم خالدين في النار. أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) أفحسبتم- أيها الخلق- أنما خلقناكم مهملين, لا أمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب، وأنكم إلينا لا ترجعون في الآخرة للحساب والجزاء؟ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) فتعالى الله الملك المتصرف في كل شيء، الذي هو حق، ووعده حق، ووعيده حق، وكل شيء منه حق، وتَقَدَّس عن أن يخلق شيئًا عبثًا أو سفهًا، لا إله غيره ربُّ العرشِ الكريمِ، الذي هو أعظم المخلوقات. وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) ومن يعبد مع الله الواحد إلهًا آخر، لا حجة له على استحقاقه العبادة، فإنما جزاؤه على عمله السيِّئ عند ربه في الآخرة. إنه لا فلاح ولا نجاة للكافرين يوم القيامة. وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) وقل- أيها النبي-: ربِّ تجاوَزْ عن الذنوب وارحم؛ وأنت خير من رحم ذا ذنب، فقبل توبته ولم يعاقبه على ذنبه. تم بحمد الله تفسير سورة المؤمنون
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:44 AM | #153 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
سورة النور - مدنية - عدد آياتها 64 سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) هذه سورة عظيمة من القرآن أنزلناها, وأوجبنا العمل بأحكامها, وأنزلنا فيها دلالات واضحات؛ لتتذكروا- أيها المؤمنون- بهذه الآيات البينات, وتعملوا بها. الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج,عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط, وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام. ولا تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها, إن كنتم مصدقين بالله واليوم الآخر عاملين بأحكام الإسلام، وليحضر العقوبةَ عدد من المؤمنين; تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا. الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) الزاني لا يرضى إلا بنكاح زانية أو مشركة لا تُقِرُّ بحرمة الزنى، والزانية لا ترضى إلا بنكاح زان أو مشرك لا يُقِرُّ بحرمة الزنى, أما العفيفون والعفيفات فإنهم لا يرضون بذلك، وحُرِّم ذلك النكاح على المؤمنين. وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب, وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب. وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) والذين يتهمون بالفاحشة أنفسًا عفيفة من النساء والرجال مِن دون أن يشهد معهم أربعة شهود عدول, فاجلدوهم بالسوط ثمانين جلدة, ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا, وأولئك هم الخارجون عن طاعة الله. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) لكن مَن تاب ونَدم ورجع عن اتهامه وأصلح عمله, فإن الله يغفر ذنبه ويرحمه, ويقبل توبته. وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (7) والذين يرمون زوجاتهم بالزنى, ولم يكن لهم شهداء على اتهامهم لهنَّ إلا أنفسهم, فعلى الواحد منهم أن يشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله: أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به من الزنى, ويزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسه باستحقاقه لعنة الله إن كان كاذبًا في قوله. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ (9) وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزنى، وهي الرجم حتى الموت، ولا يدفع عنها هذه العقوبة إلا أن تشهد في مقابل شهادته أربع شهادات بالله إنه لكاذب في اتهامه لها بالزنى، وتزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسها باستحقاقها غضب الله، إن كان زوجها صادقًا فى اتهامه لها، وفي هذه الحال يفرق بينهما. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) ولولا تفضُّل الله عليكم ورحمته- أيها المؤمنون- بهذا التشريع للأزواج والزوجات، لأحلَّ بالكاذب من المتلاعنين ما دعا به على نفسه، وأن الله تواب لمن تاب مِن عباده، حكيم في شرعه وتدبيره.
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:45 AM | #154 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) إن الذين جاؤوا بأشنع الكذب، وهو اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة، جماعة منتسبون إليكم - معشر المسلمين- لا تحسبوا قولهم شرًّا لكم, بل هو خير لكم، لما تضمن ذلك مِن تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها, ورفع الدرجات، وتكفير السيئات، وتمحيص المؤمنين. لكل فرد تكلم بالإفك جزاء فعله من الذنب، والذي تحمَّل معظمه، وهو عبد الله بن أُبيِّ بن سلول كبير المنافقين- لعنه الله- له عذاب عظيم في الآخرة، وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار. لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) هلا ظن المؤمنون والمؤمنات بعضهم ببعض خيرًا عند سماعهم ذلك الإفك، وهو السلامة مما رموا به، وقالوا: هذا كذب ظاهر على عائشة رضي الله عنها. لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ (13) هلا أتى القاذفون بأربعة شهود عدول على قولهم، فحين لم يفعلوا ذلك فأولئك هم الكاذبون عند الله. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) ولولا فَضْلُ الله عليكم ورحمته لكم بحيث شملكم إحسانه في دينكم ودنياكم فلم يعجِّل عقوبتكم، وتاب على مَن تاب منكم, لأصابكم بسبب ما خضتم فيه عذاب عظيم. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) حين تتلقفون الإفك وتتناقلونه بأفواهكم، وهو قول باطل، وليس عندكم به علم، وهما محظوران: التكلم بالباطل، والقول بلا علم، وتظنون ذلك شيئًا هيِّنًا، وهو عند الله عظيم. وفي هذا زجر بليغ عن التهاون في إشاعة الباطل. وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) وهلا قلتم عند سماعكم إياه: ما يَحِلُّ لنا الكلام بهذا الكذب, تنزيهًا لك - يارب - مِن قول ذلك على زوجة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كذب عظيم في الوزر واستحقاق الذنب. يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) يذكِّركم الله وينهاكم أن تعودوا أبدًا لمثل هذا الفعل من الاتهام الكاذب، إن كنتم مؤمنين به. وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) ويبين الله لكم الآيات المشتملة على الأحكام الشرعية والمواعظ، والله عليم بأفعالكم، حكيم في شرعه وتدبيره. إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية, ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله- وحده- يعلم كذبهم, ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا تعلمون ذلك. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) ولولا فَضْلُ الله على مَن وقع في حديث الإفك ورحمته بهم, وأن الله يرحم عباده المؤمنين رحمة واسعة في عاجلهم وآجلهم, لما بيَّن هذه الأحكام والمواعظ، ولَعاجل مَن خالف أمره بالعقوبة. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تسلكوا طرق الشيطان، ومَن يسلك طرق الشيطان فإنه يأمره بقبيح الأفعال ومنكراتها، ولولا فَضْلُ الله على المؤمنين ورحمته بهم ما طَهُرَ منهم أحد أبدًا مِن دنس ذنبه، ولكن الله- بفضله- يطهر من يشاء. والله سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وأفعالكم. وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) ولا يحلف أهل الفضل في الدين والسَّعَة في المال على ترك صلة أقربائهم الفقراء والمحتاجين والمهاجرين، ومنعهم النفقة؛ بسبب ذنب فعلوه, ولْيتجاوزوا عن إساءتهم، ولا يعاقبوهم. ألا تحبون أن يتجاوز الله عنكم؟ فتجاوزوا عنهم. والله غفور لعباده، رحيم بهم. وفي هذا الحثُّ على العفو والصفح، ولو قوبل بالإساءة. إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) إن الذين يقذفون بالزنى العفيفات الغافلات المؤمنات اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن، مطرودون من رحمة الله في الدنيا والآخرة, ولهم عذاب عظيم في نار جهنم. وفي هذه الآية دليل على كفر من سبَّ، أو اتهم زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بسوء. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) ذلك العذاب يوم القيامة يوم تشهد عليهم ألسنتهم بما نطقت، وتتكلم أيديهم وأرجلهم بما عملت. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) في هذا اليوم يوفيهم الله جزاءهم كاملا على أعمالهم بالعدل، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم أن الله هو الحق المبين الذي هو حق, ووعده حق، ووعيده حق، وكل شيء منه حق، الذي لا يظلم أحدًا مثقال ذرة. الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) كل خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للخبيث وموافق له, وكل طيِّب من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للطيب وموافق له, والطيبون والطيبات مبرؤون مما يرميهم به الخبيثون من السوء، لهم من الله مغفرة تستغرق الذنوب، ورزق كريم في الجنة. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأذنوا أهلها في الدخول وتسلموا عليهم وصيغة ذلك من السنة: السلام عليكم أأدخل؟ ذلكم الاستئذان خير لكم ؛ لعلكم تتذكرون- بفعلكم له- أوامر الله، فتطيعوه.
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:47 AM | #155 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:48 AM | #156 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) رجال لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذِكْرِ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة لمستحقيها, يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب بين الرجاء في النجاة والخوف من الهلاك، وتتقلب فيه الأبصار تنظر إلى أي مصير تكون؟ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) ليعطيهم الله ثواب أحسن أعمالهم، ويزيدهم من فضله بمضاعفة حسناتهم. والله يرزق مَن يشاء بغير حساب، بل يعطيه مِنَ الأجر ما لا يبلغه عمله، وبلا عدٍّ ولا كيل. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) والذين كفروا بربهم وكذَّبوا رسله، أعمالهم التي ظنوها نافعة لهم في الآخرة، كصلة الأرحام وفك الأسرى وغيرها، كسراب، وهو ما يشاهَد كالماء على الأرض المستوية في الظهيرة، يظنه العطشان ماء، فإذا أتاه لم يجده ماء. فالكافر يظن أن أعماله تنفعه, فإذا كان يوم القيامة لم يجد لها ثوابًا، ووجد الله سبحانه وتعالى له بالمرصاد فوفَّاه جزاء عمله كاملا. والله سريع الحساب، فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد، فإنه لا بدَّ مِن إتيانه. أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أو تكون أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج, من فوق الموج موج آخر، ومِن فوقه سحاب كثيف، ظلمات شديدة بعضها فوق بعض، إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدة الظلمات، فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلال وفساد الأعمال. ومن لم يجعل الله له نورًا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به فما له مِن هاد. أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) ألم تعلم - أيها النبي - أن الله يُسَبِّح له مَن في السموات والأرض من المخلوقات، والطير صافات أجنحتها في السماء تسبح ربها؟ كل مخلوق قد أرشده الله كيف يصلي له ويسبحه. وهو سبحانه عليم، مُطَّلِع على ما يفعله كل عابد ومسبِّح، لا يخفى عليه منها شيء، وسيجازيهم بذلك. وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) ولله وحده ملك السموات والأرض، له السلطان فيهما، وإليه المرجع يوم القيامة. أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ (43) ألم تشاهد أن الله سبحانه وتعالى يسوق السحاب إلى حيث يشاء، ثم يجمعه بعد تفرقه، ثم يجعله متراكمًا، فينزل مِن بينه المطر؟ وينزل من السحاب الذي يشبه الجبال في عظمته بَرَدًا، فيصيب به مَن يشاء من عباده ويصرفه عمَّن يشاء منهم بحسب حكمته وتقديره, يكاد ضوء ذلك البرق في السحاب مِن شدته يذهب بأبصار الناظرين إليه. يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ (44) ومن دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى أنه يقلب الليل والنهار بمجيء أحدهما بعد الآخر, واختلافهما طولا وقِصَرًا, إن في ذلك لَدلالة يعتبر بها كل مَن له بصيرة. وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) والله تعالى خلق كل ما يدِب على الأرض مِن ماء، فالماء أصل خلقه، فمن هذه الدواب: مَن يمشي زحفًا على بطنه كالحيَّات ونحوها, ومنهم مَن يمشي على رجلين كالإنسان، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم ونحوها. والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء، وهو قادر على كل شيء. لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) لقد أنزلنا في القرآن علامات واضحات مرشدات إلى الحق. والله يهدي ويوفق مَن يشاء مِن عباده إلى الطريق المستقيم، وهو الإسلام. وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) ويقول المنافقون: صَدَّقنا بالله وبما جاء به الرسول، وأطعنا أمرهما، ثم تُعْرِضُ طوائف منهم من بعد ذلك فلا تقبل حكم الرسول، وما أولئك بالمؤمنين. وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وإذا دُعوا في خصوماتهم إلى ما في كتاب الله وإلى رسوله؛ ليَحكُم بينهم، إذا فريق منهم معرض لا يقبل حكم الله وحكم رسوله, مع أنه الحق الذي لا شك فيه. وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) وإن يكن الحق في جانبهم فإنهم يأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام طائعين منقادين لحكمه ؛ لعلمهم أنه يقضي بالحق. أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) أسَبَبُ الإعراض ما في قلوبهم من مرض النفاق, أم شكُّوا في نبوة محمد .. صلى الله عليه وسلم، أم السبب خوفهم أن يكون حكم الله ورسوله جائرًا؟ كلا إنهم لا يخافون جورًا، بل السبب أنهم هم الظالمون الفجرة. إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51) أما المؤمنون حقا فدأبهم إذا دعوا إلى التحاكم في خصوماتهم إلى كتاب الله وحكم رسوله، أن يقبلوا الحكم ويقولوا: سمعنا ما قيل لنا وأطعنا مَن دعانا إلى ذلك، وأولئك هم المفلحون الفائزون بمطلوبهم في جنات النعيم. وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (52) ومن يطع الله ورسوله في الأمر والنهي، ويَخَفْ عواقب العصيان، ويحْذَر عذاب الله، فهؤلاء هم الفائزون بالنعيم في الجنة. وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) وأقسم المنافقون بالله تعالى غاية اجتهادهم في الأيمان المغلَّظة: لئن أمرتنا - أيها الرسول - بالخروج للجهاد معك لنخرجن، قل لهم: لا تحلفوا كذبًا، فطاعتكم معروفة بأنها باللسان فحسب، إن الله خبير بما تعملونه، وسيجازيكم عليه.
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:48 AM | #157 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:49 AM | #158 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:49 AM | #159 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:50 AM | #160 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) عَظُمَتْ بركات الله, وكَثُرَتْ خيراته, الذي إن شاء جعل لك - أيها الرسول - خيرًا مما تمنَّوه لك، فجعل لك في الدنيا حدائق كثيرة تتخللها الأنهار، وجعل لك فيها قصورًا عظيمة. بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) وما كذبوك؛ لأنك تأكل الطعام, وتمشي في الأسواق، بل كذَّبوا بيوم القيامة وما فيه من جزاء، وأعتدنا لمن كذب بالساعة نارًا حارة تُسَعَّر بهم. إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) إذا رأت النار هؤلاء المكذبين يوم القيامة من مكان بعيد، سمعوا صوت غليانها وزفيرها، من شدة تغيظها منهم. وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً (13) وإذا أُلقوا في مكان شديد الضيق من جهنم- وقد قُرِنت أيديهم بالسلاسل إلى أعناقهم- دَعَوْا على أنفسهم بالهلاك للخلاص منها. لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) فيقال لهم تيئيسًا، لا تَدْعوا اليوم بالهلاك مرة واحدة، بل مرات كثيرة، فلن يزيدكم ذلك إلا غمًّا، فلا خلاص لكم. قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً (15) قل لهم - أيها الرسول -: أهذه النار التي وُصِفتْ لكم خيرٌ أم جنة النعيم الدائم التي وُعِد بها الخائفون من عذاب ربهم، كانت لهم ثوابًا على عملهم، ومآلا يرجعون إليه في الآخرة؟ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً (16) لهؤلاء المطيعين في الجنة ما يشتهون من ملاذِّ النعيم, متاعهم فيه دائم، كان دخولهم إياها على ربك - أيها الرسول - وعدًا مسؤولا يسأله عباد الله المتقون، والله لا يخلف وعده. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) ويوم القيامة يحشر الله المشركين وما كانوا يعبدونه من دونه, فيقول لهؤلاء المعبودين: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء عن طريق الحق، وأمرتموهم بعبادتكم، أم هم ضلوا السبيل، فعبدوكم مِن تلقاء أنفسهم؟ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) قال المعبودون من دون الله: تنزيهًا لك- يا ربنا- عَمَّا فعل هؤلاء، فما يصحُّ أن نَتَّخِذ سواك أولياء نواليهم, ولكن متعتَ هؤلاء المشركين وآباءهم بالمال والعافية في الدنيا، حتى نسوا ذكرك فأشركوا بك، وكانوا قومًا هلكى غلب عليهم الشقاء والخِذْلان . فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19) فيقال للمشركين: لقد كذَّبكم هؤلاء الذين عبدتموهم في ادِّعائكم عليهم، فها أنتم أولاء لا تستطيعون دَفْعًا للعذاب عن أنفسكم، ولا نصرًا لها، ومَن يشرك بالله فيظلم نفسه ويعبد غير الله، ويمت على ذلك، يعذبه الله عذابًا شديدًا. وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) وما أرسلنا قبلك - أيها الرسول - أحدًا مِن رسلنا إلا كانوا بشرًا، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق. وجعلنا بعضكم- أيها الناس- لبعض ابتلاء واختبارًا بالهدى والضلال، والغنى والفقر، والصحة والمرض، هل تصبرون، فتقوموا بما أوجبه الله عليكم، وتشكروا له، فيثيبكم مولاكم، أو لا تصبرون فتستحقوا العقوبة؟ وكان ربك - أيها الرسول - بصيرًا بمن يجزع أو يصبر، وبمن يكفر أو يشكر. وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً (21) وقال الذين لا يؤمِّلون لقاء ربهم بعد موتهم لإنكارهم له: هلا أُنزل علينا الملائكة, فتُخْبِرنا بأن محمدًا صادق، أو نرى ربنا عِيانًا، فيخبرنا بصدقه في رسالته. لقد أُعجِبوا بأنفسهم واستعلَوْا حيث اجترؤوا على هذا القول, وتجاوزوا الحدَّ في طغيانهم وكفرهم. يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) يوم يرون الملائكة عند الاحتضار، وفي القبر، ويوم القيامة، على غير الصورة التي اقترحوها لا لتبشرهم بالجنة, ولكن لتقول لهم: جعل الله الجنة مكانًا محرمًا عليكم. وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23) وقَدِمْنا إلى ما عملوه مِن مظاهر الخير والبر، فجعلناه باطلا مضمحلا لا ينفعهم كالهباء المنثور، وهو ما يُرى في ضوء الشمس من خفيف الغبار؛ وذلك أن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفر في صاحبه: الإيمان بالله، والإخلاص له، والمتابعة لرسوله محمد، صلى الله عليه وسلم. أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24) أصحاب الجنة يوم القيامة خير مستقرًا من أهل النار وأحسن منازل في الجنة, فراحتهم تامة، ونعيمهم لا يشوبه كدر. وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً (25) واذكر - أيها الرسول - ذلك اليوم الذي تتشقق فيه السماء، ويظهر من فتحاتها السحاب الأبيض الرقيق، وينزل الله ملائكة السموات يومئذ، فيحيطون بالخلائق في المحشر، ويأتي الله تبارك وتعالى لفصل القضاء بين العباد، إتيانًا يليق بجلاله. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26) المُلْك الحق في هذا اليوم للرحمن وحده دون مَن سواه، وكان هذا اليوم صعبًا شديدًا على الكافرين، لما ينالهم من العقاب والعذاب الأليم. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29) واذكر - أيها الرسول - يوم يَعَضُّ الظالم لنفسه على يديه ندمًا وتحسرًا قائلا يا ليتني صاحبت رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم واتبعته في اتخاذ الإسلام طريقًا إلى الجنة، ويتحسَّر قائلا يا ليتني لم أتخذ الكافر فلانًا صديقًا أتبعه وأوده. لقد أضلَّني هذا الصديق عن القرآن بعد إذ جاءني. وكان الشيطان الرجيم خذولا للإنسان دائمًا. وفي هذه الآيات التحذير من مصاحبة قرين السوء؛ فإنه قد يكون سببًا لإدخال قرينه النار. وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه: يا ربِّ إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه، متمادين في إعراضهم عنه وتَرْكِ تدبُّره والعمل به وتبليغه. وفي الآية تخويف عظيم لمن هجر القرآن فلم يعمل به.
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:50 AM | #161 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) وكما جعلنا لك - أيها الرسول - أعداء من مجرمي قومك، جعلنا لكل نبيٍّ من الأنبياء عدوًا من مجرمي قومه، فاصبر كما صبروا. وكفى بربك هاديًا ومرشدًا ومعينًا يعينك على أعدائك. وفي هذا تسلية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) وقال الذين كفروا: هلا أنزل القرآن على محمد جملة واحدة كالتوراة والإنجيل والزبور! قال الله سبحانه وتعالى: كذلك أنزلناه مفرقًا؛ لنقوِّي به قلبك وتزداد به طمأنينة، فتعيه وتحمله، وبيَّنَّاه في تثبت ومُهْلَة. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) ولا يأتيك - أيها الرسول - المشركون بحجة أو شبهة إلا جئناك بالجواب الحق وبأحسن بيان له. الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34) أولئك الكفار هم الذين يُسحبون على وجوههم إلى جهنم, وأولئك هم شر الناس منزلة، وأبعدهم طريقًا عن الحق. وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً (36) ولقد آتينا موسى التوراة، وجعلنا معه أخاه هارون معينًا له، فقلنا لهما: اذهبا إلى فرعون وقومه الذين كذَّبوا بدلائل ربوبيتنا وألوهيتنا, فذهبا إليهم، فدَعَواهم إلى الإيمان بالله وطاعته وعدم الإشراك به، فكذَّبوهما، فأهلكناهم إهلاكًا عظيمًا. وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً (37) وأغرقنا قوم نوح بالطوفان حين كذَّبوه. ومن كذب رسولا فقد كذب الرسل جميعًا. وجعلنا إغراقهم للناس عبرة، وجعلنا لهم ولمن سلك سبيلهم في التكذيب يوم القيامة عذابًا موجعًا. وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً (38) وأهلكنا عادًا قوم هود، وثمود قوم صالح، وأصحاب البئر وأممًا كثيرة بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرسِّ، لا يعلمهم إلا الله. وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً (39) وكل الأمم بيَّنَّا لهم الحجج، ووضَّحنا لهم الأدلة, وأزحنا الأعذار عنهم، ومع ذلك لم يؤمنوا، فأهلكناهم بالعذاب إهلاكًا. وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) ولقد كان مشركو "مكة" يمرون في أسفارهم على قرية قوم لوط، وهي قرية "سدوم" التي أُهلِكت بالحجارة من السماء، فلم يعتبروا بها، بل كانوا لا يرجون معادًا يوم القيامة يجازون فيه. وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (42) وإذا رآك هؤلاء المكذبون - أيها الرسول - استهزؤوا بك قائلين: أهذا الذي يزعم أن الله بعثه رسولا إلينا؟ إنه قارب أن يصرفنا عن عبادة أصنامنا بقوة حجته وبيانه, لولا أن ثَبَتْنا على عبادتها، وسوف يعلمون حين يرون ما يستحقون من العذاب: مَن أضل دينًا أهم أم محمد؟ أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) انظر - أيها الرسول - متعجبًا إلى مَن أطاع هواه كطاعة الله، أفأنت تكون عليه حفيظًا حتى تردَّه إلى الإيمان؟ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) أم تظن أن أكثرهم يسمعون آيات الله سماع تدبر، أو يفهمون ما فيها؟ ما هم إلا كالبهائم في عدم الانتفاع بما يسمعونه، بل هم أضل طريقًا منها. أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46) ألم تر كيف مدَّ الله الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؟ ولو شاء لجعله ثابتًا مستقرًا لا تزيله الشمس، ثم جعلنا الشمس علامة يُستَدَلُّ بأحوالها على أحواله، ثم تَقَلَّصَ الظل يسيرًا يسيرًا، فكلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصانه. وذلك من الأدلة على قدرة الله وعظمته، وأنه وحده المستحق للعبادة دون سواه. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47) والله تعالى هو الذي جعل لكم الليل ساترًا لكم بظلامه كما يستركم اللباس، وجعل النوم راحة لأبدانكم، وجعل لكم النهار؛ لتنتشروا في الأرض، وتطلبوا معايشكم. وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (49) وهو الذي أرسل الرياح التي تحمل السحاب، تبشر الناس بالمطر رحمة منه، وأنزلنا من السماء ماء يُتَطَهَّر به ؛ لنخرج به النبات في مكان لا نبات فيه ، فيحيا البلد الجدب بعد موات، ونُسْقي ذلك الماء مِن خَلْقِنا كثيرًا من الأنعام والناس. وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (50) ولقد أنزلنا المطر على أرض دون أخرى؛ ليذكر الذين أنزلنا عليهم المطر نعمة الله عليهم، فيشكروا له، وليذكر الذين مُنعوا منه، فيسارعوا بالتوبة إلى الله - جل وعلا- ليرحمهم ويسقيهم، فأبى أكثر الناس إلا جحودًا لنعمنا عليهم، كقولهم: مطرنا بنَوْء كذا وكذا. وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا، يدعوهم إلى الله عز وجل، وينذرهم عذابه، ولكنا جعلناك - أيها الرسول - مبعوثًا إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن، فلا تطع الكافرين في ترك شيء مما أرسلتَ به، بل ابذل جهدك في تبليغ الرسالة, وجاهد الكافرين بهذا القرآن جهادًا كبيرًا، لا يخالطه فتور. وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) والله هو الذي خلط البحرين: العذب السائغ الشراب، والملح الشديد الملوحة، وجعل بينهما حاجزًا يمنع كل واحدٍ منهما من إفساد الآخر، ومانعًا مِن أن يصل أحدهما إلى الآخر. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54) وهو الذي خلق مِن منيِّ الرجل والمرأة ذرية ذكورًا وإناثًا، فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة. وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء. وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) ومع كل هذه الدلائل على قدرة الله وإنعامه على خلقه يَعبدُ الكفار مِن دون الله ما لا ينفعهم إن عبدوه, ولا يضرهم إن تركوا عبادته, وكان الكافر عونًا للشيطان على ربه بالشرك في عبادة الله, مُظَاهِرًا له على معصيته. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) وما أرسلناك - أيها الرسول - إلا مبشرًا للمؤمنين بالجنة ومنذرًا للكافرين بالنار. قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57) قل لهم: لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة أيَّ أجر، لكنْ من أراد أن يهتدي ويسلك سبيل الحق إلى ربه وينفق في مرضاته، فلست أُجبركم عليه, وإنما هو خير لأنفسكم. وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58) وتوكل على الله الذي له جميع معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلاله الذي لا يموت، ونزِّهه عن صفات النقصان. وكفى بالله خبيرًا بذنوب خلقه, لا يخفى عليه شيء منها، وسيحاسبهم عليها ويجازيهم بها. الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59) الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش- أي علا وارتفع- استواءً يليق بجلاله، هو الرحمن، فاسأل - أيها النبي - به خبيرًا، يعني بذلك سبحانه نفسه الكريمة، فهو الذي يعلم صفاته وعظمته وجلاله. ولا أحد من البشر أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً ۩(60) وإذا قيل للكافرين: اسجدوا للرحمن واعبدوه قالوا: ما نعرف الرحمن، أنسجد لما تأمرنا بالسجود له طاعة لأمرك؟ وزادهم دعاؤهم إلى السجود للرحمن بُعْداً عن الإيمان ونفورًا منه. تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) عَظُمَتْ بركات الرحمن وكثر خيره، الذي جعل في السماء النجوم الكبار بمنازلها، وجعل فيها شمسًا تضيء وقمرًا ينير. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً (62) وهو الذي جعل الليل والنهار متعاقبَيْن يَخْلُف أحدهما الآخر لمن أراد أن يعتبر بما في ذلك إيمانًا بالمدبِّر الخالق، أو أراد أن يشكر لله تعالى على نعمه وآلائه. وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وعباد الرحمن الصالحون يمشون على الأرض بسكينة متواضعين, وإذا خاطبهم الجهلة السفهاء بالأذى أجابوهم بالمعروف من القول, وخاطبوهم خطابًا يَسْلَمون فيه من الإثم، ومن مقابلة الجاهل بجهله.
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:51 AM | #162 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:51 AM | #163 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
سورة الشعراء - مكية - عدد آياتها 227 طسم (1 ) (طسم) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة. تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) هذه آيات القرآن الموضِّح لكل شيء الفاصل بين الهدى والضلال. لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) لعلك - أيها الرسول - من شدة حرصك على هدايتهم مُهْلِك نفسك ؛ لأنهم لم يصدِّقوا بك ولم يعملوا بهديك ، فلا تفعل ذلك. إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) إن نشأ ننزل على المكذبين من قومك من السماء معجزة مخوِّفة لهم تلجئهم إلى الإيمان ، فتصير أعناقهم خاضعة ذليلة ، ولكننا لم نشأ ذلك; فإن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب اختيارًا. وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) وما يجيء هؤلاء المشركين المكذبين مِن ذِكْرٍ من الرحمن مُحْدَث إنزاله ، شيئًا بعد شيء ، يأمرهم وينهاهم ، ويذكرهم بالدين الحق إلا أعرضوا عنه, ولم يقبلوه. فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (6) فقد كذَّبوا بالقرآن واستهزؤوا به, فسيأتيهم أخبار الأمر الذي كانوا يستهزئون به ويسخرون منه, وسيحلُّ بهم العذاب جزاء تمردهم على ربهم. أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) أكذبوا ولم ينظروا إلى الأرض التي أنبتنا فيها من كل نوع حسن نافع من النبات, لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين؟ إن في إخراج النبات من الأرض لَدلالة واضحة على كمال قدرة الله, وما كان أكثر القوم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز على كل مخلوق, الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء. وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) واذكر - أيها الرسول - لقومك إذ نادى ربك موسى: أن ائت القوم الظالمين, قوم فرعون، وقل لهم: ألا يخافون عقاب الله تعالى، ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلال؟ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قال موسى: رب إني أخاف أن يكذبوني في الرسالة, ويملأ صدري الغمُّ لتكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بالدعوة فأرسِلْ جبريل بالوحي إلى أخي هارون ؛ ليعاونني. ولهم علي ذنب في قتل رجل منهم, وهو القبطي, فأخاف أن يقتلوني به. قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قال الله لموسى: كلا لن يقتلوك, وقد أجبت طلبك في هارون, فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما، إنا معكم بالعلم والحفظ والنصرة مستمعون. فأتِيَا فرعون فقولا له: إنا مرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين: أن اترك بني إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا. قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (19) قال فرعون لموسى ممتنًا عليه: ألم نُرَبِّك في منازلنا صغيرًا، ومكثت في رعايتنا سنين من عُمُرك وارتكبت جنايةً بقتلك رجلا من قومي حين ضربته ودفعته, وأنت من الجاحدين نعمتي المنكرين ربوبيتي؟
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:52 AM | #164 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قال موسى مجيبًا لفرعون: فعلتُ ما ذكرتَ قبل أن يوحي الله إلي، ويبعثني رسولا فخرجت من بينكم فارًّا إلى "مدين"، لـمَّا خفت أن تقتلوني بما فعلتُ من غير عَمْد، فوهب لي ربي تفضلا منه النبوة والعلم, وجعلني من المرسلين. وتلك التربية في بيتك تَعُدُّها نعمة منك عليَّ، وقد جعلت بني إسرائيل عبيدًا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم؟ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قال فرعون لموسى: وما رب العالمين الذي تدَّعي أنك رسوله؟ قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ (24) قال موسى: هو مالك ومدبر السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بذلك، فآمِنوا. قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قال فرعون لمن حوله مِن أشراف قومه: ألا تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب سواي؟ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ (26) قال موسى: الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق آباءكم الأولين, فكيف تعبدون مَن هو مخلوق مثلكم, وله آباء قد فنوا كآبائكم؟ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قال فرعون لخاصته يستثير غضبهم ؛ لتكذيب موسى إياه: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون, يتكلم كلامًا لا يُعْقَل! قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قال موسى: رب المشرق والمغرب وما بينهما وما يكون فيهما من نور وظلمة, وهذا يستوجب الإيمان به وحده إن كنتم من أهل العقل والتدبر! قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29) قال فرعون لموسى مهددًا له: لئن اتخذت إلهًا غيري لأسجننك مع مَن سجنت. قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قال موسى: أتجعلني من المسجونين, ولو جئتك ببرهان قاطع يتبين منه صدقي؟ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (31) قال فرعون: فأت به إن كنت من الصادقين في دعواك. فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) فألقى موسى عصاه فتحولت ثعبانًا حقيقيًا, ليس تمويهًا كما يفعل السحرة, وأخرج يده مِن جيبه فإذا هي بيضاء كالثلج من غير برص، تَبْهَر الناظرين. قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قال فرعون لأشراف قومه خشية أن يؤمنوا: إن موسى لَساحر ماهر، يريد أن يخرجكم بسحره من أرضكم، فأي شيء تشيرون به في شأنه أتبع رأيكم فيه؟ قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) قال له قومه: أخِّر أمر موسى وهارون, وأرسِلْ في المدائن جندًا جامعين للسحرة, يأتوك بكلِّ مَن أجاد السحر، وتفوَّق في معرفته. فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) فَجُمع السحرة، وحُدِّد لهم وقت معلوم، هو وقت الضحى من يوم الزينة الذي يتفرغون فيه من أشغالهم، ويجتمعون ويتزيَّنون؛ وذلك للاجتماع بموسى. وحُثَّ الناس على الاجتماع; أملا في أن تكون الغلبة للسحرة. لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ (40) إننا نطمع أن تكون الغلبة للسحرة، فنثبت على ديننا. فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) فلما جاء السحرة فرعون قالوا له: أإن لنا لأجرًا مِن مال أو جاه، إنْ كنا نحن الغالبين لموسى؟ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (42) قال فرعون: نعم لكم عندي ما طلبتم مِن أجر، وإنكم حينئذ لمن المقربين لديَّ. قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) قال موسى للسحرة مريدًا إبطال سحرهم وإظهار أن ما جاء به ليس سحرًا: ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر. فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فألقَوا حبالهم وعصيَّهم, وخُيِّل للناس أنها حيَّات تسعى, وأقسموا بعزة فرعون قائلين: إننا لنحن الغالبون. فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فألقى موسى عصاه, فإذا هي حية عظيمة, تبتلع ما صدر منهم من إفك وتزوير. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) فلما شاهدوا ذلك، وعلموا أنه ليس من تمويه السحرة, آمنوا بالله وسجدوا له، وقالوا: آمنَّا برب العالمين رب موسى وهارون. قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قال فرعون للسحرة مستنكرًا: آمنتم لموسى بغير إذن مني، وقال موهمًا أنَّ فِعْل موسى سحر: إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر، فلسوف تعلمون ما ينزل بكم من عقاب: لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف: بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو عكس ذلك، ولأصلبنَّكم أجمعين. قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) قال السحرة لفرعون: لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عقاب الدنيا, إنا راجعون إلى ربنا فيعطينا النعيم المقيم. إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا من الشرك وغيره; لكوننا أول المؤمنين في قومك. وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) وأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أَنْ سِرْ ليلا بمن آمن من بني إسرائيل؛ لأن فرعون وجنوده متبعوكم حتى لا يدركوكم قبل وصولكم إلى البحر. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) فأرسل فرعون جنده- حين بلغه مسير بني إسرائيل- يجمعون جيشه من مدائن مملكته. إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) قال فرعون: إن بني إسرائيل الذين فرُّوا مع موسى لَطائفة حقيرة قليلة العدد، وإنهم لمالئون صدورنا غيظًا؛ حيث خالفوا ديننا, وخرجوا بغير إذننا, وإنا لجميع متيقظون مستعدون لهم. فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فأخرج الله فرعون وقومه من أرض "مصر" ذات البساتين وعيون الماء وخزائن المال والمنازل الحسان. وكما أخرجناهم، جعلنا هذه الديار من بعدهم لبني إسرائيل. فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فلحق فرعون وجنده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس.
__________________
|
|||
02-17-2011, 11:53 AM | #165 | |||
|
رد: ۩.. تفسير القرآن الكريم كاملاً ..۩
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) فلما رأى كل واحد من الفريقين الآخر قال أصحاب موسى: إنَّ جَمْعَ فرعون مُدْرِكنا ومهلكنا. قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) قال موسى لهم: كلا ليس الأمر كما ذكرتم فلن تُدْرَكوا; إن معي ربي بالنصر، سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم. فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضرب، فانفلق البحر إلى اثني عشر طريقًا بعدد قبائل بني إسرائيل، فكانت كل قطعة انفصلت من البحر كالجبل العظيم. وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66) وقرَّبْنا هناك فرعون وقومه حتى دخلوا البحر, وأنجينا موسى ومَن معه أجمعين. فاستمر البحر على انفلاقه حتى عبروا إلى البر، ثم أغرقنا فرعون ومن معه بإطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه متبعين موسى وقومه. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) إن في ذلك الذي حدث لَعبرة عجيبة دالة على قدرة الله، وما صار أكثر أتباع فرعون مؤمنين مع هذه العلامة الباهرة. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) وإن ربك لهو العزيز الرحيم, بعزته أهلك الكافرين المكذبين، وبرحمته نجَّى موسى ومَن معه أجمعين. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) واقصص على الكافرين - أيها الرسول - خبر إبراهيم حين قال لأبيه وقومه: أي شيء تعبدونه؟ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قالوا: نعبد أصنامًا، فنَعْكُف على عبادتها. قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قال إبراهيم منبهًا على فساد مذهبهم: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم, أو يقدِّمون لكم نفعًا إذا عبدتموهم، أو يصيبونكم بضر إذا تركتم عبادتهم؟ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالوا: لا يكون منهم شيء من ذلك، ولكننا وجدنا آباءنا يعبدونهم, فقلَّدناهم فيما كانوا يفعلون. قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) قال إبراهيم: أفأبصرتم بتدبر ما كنتم تعبدون من الأصنام التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر، أنتم وآباؤكم الأقدمون من قبلكم؟ فإن ما تعبدونهم من دون الله أعداء لي، لكن رب العالمين ومالك أمرهم هو وحده الذي أعبده. هو الذي خلقني في أحسن صورة فهو يرشدني إلى مصالح الدنيا والآخرة، وهو الذي ينعم عليَّ بالطعام والشراب، وإذا أصابني مرض فهو الذي يَشْفيني ويعافيني منه، وهو الذي يميتني في الدينا بقبض روحي, ثم يحييني يوم القيامة, لا يقدر على ذلك أحد سواه, والذي أطمع أن يتجاوز عن ذنبي يوم الجزاء. رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) قال إبراهيم داعيًا ربه: ربِّ امنحني العلم والفهم، وألحقني بالصالحين، واجمع بيني وبينهم في الجنة. وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) واجعل لي ثناء حسنًا وذكرًا جميلا في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة. وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) واجعلني من عبادك الذين تورثهم نعيم الجنة. وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ (86) وهذا دعاء من إبراهيم عليه السلام أن ينقذ الله أباه من الضلال إلى الهدى، فيغفر له ويتجاوز عنه، كما وعد إبراهيم أباه بالدعاء له، فلما تبيَّن له أنه مستمر في الكفر والشرك إلى أن يموت تبرَّأ منه . وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ولا تُلْحق بي الذل، يوم يخرج الناس من القبور للحساب والجزاء، يوم لا ينفع المال والبنون أحدًا من العباد، إلا مَن أتى الله بقلب سليم من الكفر والنفاق والرذيلة. وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وقُرِّبت الجنة للذين اجتنبوا الكفر والمعاصي، وأقبلوا على الله بالطاعة. وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وأُظهرت النار للكافرين الذين ضَلُّوا عن الهدى، وتجرَّؤوا على محارم الله وكذَّبوا رسله. وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) وقيل لهم توبيخًا: أين آلهتكم التي كنتم تعبدونها مِن دون الله، وتزعمون أنها تشفع لكم اليوم؟ هل ينصرونكم, فيدفعون العذاب عنكم, أو ينتصرون بدفع العذاب عن أنفسهم؟ لا شيء من ذلك. فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) فجُمِعوا وألقُوا في جهنم، هم والذين أضلوهم وأعوان إبليس الذين زيَّنوا لهم الشر, لم يُفْلِت منهم أحد. قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99) قالوا معترفين بخطئهم، وهم يتنازعون في جهنم مع مَن أضلوهم، تالله إننا كنا في الدنيا في ضلال واضح لا خفاء فيه; إذ نسويكم برب العالمين المستحق للعبادة وحده. وما أوقعنا في هذا المصير السيِّئ إلا المجرمون الذين دعونا إلى عبادة غير الله فاتبعناهم. فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فلا أحدَ يشفع لنا، ويخلِّصنا من العذاب، ولا مَن يَصْدُق في مودتنا ويشفق علينا. فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (102) فليت لنا رجعة إلى الدنيا, فنصير من جملة المؤمنين الناجين. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) إن في نبأ إبراهيم السابق لَعبرة لِمن يعتبر, وما صار أكثر الذين سمعوا هذا النبأ مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز القادر على الانتقام من المكذبين, الرحيم بعباده المؤمنين. كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) كَذَّبت قوم نوح رسالة نبيهم، فكانوا بهذا مكذبين لجميع الرسل; لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل. إذ قال لهم أخوهم نوح: ألا تخشون الله بترك عبادة غيره؟ إني لكم رسول أمين فيما أبلغكم، فاجعلوا الإيمان وقاية لكم من عذاب الله وأطيعوني فيما آمركم به من عبادته وحده. وما أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة، ما أجري إلا على رب العالمين، المتصرف في خلقه، فاحذروا عقابه, وأطيعوني بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ (111) قال له قومه: كيف نصدِّقك ونتبعك, والذين اتبعوك أراذل الناس وأسافلهم؟
__________________
|
|||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|