بلغي عن أبيك الإرهابي

بلغي عن أبيك الإرهابي

بلغي عن أبيك الإرهابي

​رجلٌ ذو صوت أجش يهاتفك, يلقي عليك التحية بلهجة غليظة, ترد التحية بتردد وخوف؛ يسألك هل أنت فلان الفلاني, تقول : نعم أنا هو....أي خدمة؟ , يعرفك بنفسه ويخبرك أنّه من رجالات الشرطة, وأنَّ هناك شكوى مقدمةٌ من فلانة بنت فلان, تقول أنت في دهشة ابنتي ..؟ يقول نعم بنتك . تسأله وأنت لاتصدق, ومانوع البلاغ..؟ يقول : أنَّك منعتها من ممارسة حقوقها. تستأذنه في أغلاق السماعة وتخبره بأنك ستأتيه على الفور, دقائق وتصل لمقر الشرطة لتجلس على كرسي الإنهام بجناية التعدي على حقوق الغير, وتبدأ في مساءلة طويلة, ابنتك تدعي وأنت تدافع, وفي نهاية المطاف _ بأخف الضررين _ سيؤخذ عليك تعهد بألاتمنع ابنتك من ممارسة ماتريده من حقوق شخصية, من خروج ودخول, وتبرج وسفور, وسياقة للسيارة, وزيارة صديقاتها وأصدقائها .

باختصار مؤلم لا ولاية لك بعد اليوم, المطلوب منك أن توفر لقمة العيش لهم, وتبقى في زاوية من البيت أنت وزوجتك التي ستنشغل عنك كثيراً_فلابد أن لها نصيب من التمرد_.., وليس لك من الأمر شيء أن تحرك حتى شفتيك بالاعتراض على ماتراه, إلا إنكارٌ بقلبك إن حصل, وماتعتقده من سلطة الأب, أو سلطة الرجل الشرقي قد ولىَّ زمانها, فأنت اليوم في عالم الكل يمارس مايشاء, ويفعل مايشاء, والغرب برمته وأبجدياته وأخلاقياته قد أصبح مشاهداً في ربوع ديارك وبيتك, لقد أصبحت أيها الأسد, وراء قضبان حديقة الحرية, يتندر عليك الصبيان, ويلتقطون حولك صوراً للذكرى مع آخر الرجال...., وربما تأتي ابنتك أو ابنك بأصدقائهم وصديقاتهم, ليتعرفوا عليك, وتسرهم نظرتك وحنانك وتسامحك, وترى مايميتك كمداً وحسرة, وربما لاتجد سلاحاً غير دموعك والانزواء تحت صمتك .

أيها الرجل هل تصورت أنَّك هذا الرجل؟ ربما تصورت أو لم تتصور ؟!
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه هل العنف الأسري أصبح ظاهرة خطيرة ؟ ألا يبعث تناوله عن طريق الصحافة الصفراء والقنوات الفضائية المشبوهة ريبة في نفسك من هذا التضخيم وهذا الاهتمام؟ رغم أن المجتمع يعج بمشاكل لاحصر؛ لها كالبطالة والفقر والعنوسة والطلاق, وانحراف الشباب والشابات والدعوات, التغريبية والفساد الإداري, وانشغال الوالدين عن تربية أولادهم؟ ألم تسمع بما يقترحه البعض بجعل هاتف خاص لجهات معنية تستقبل شكاوى العنف الأسري؟ ماذا ياترى ستفعل هذه الجهات؟ هل ستكون توجيهية وتربوية ؟ هل ستوجه الأب والأبناء للعيش في كنف أسرة مستورة؟ الأب يحرص على تربية أبناءه, والأبناء يحرصون على برّ والديهم ؟
هل ستوجه كلاً من الزوجين للقيام بحقوقه وواجباته وفق الشرعية الإسلامية؟ أم أنّها سترفع يد الأب والزوج عن واجباته وسلطته, وتمهل حبل الفتى والفتاة والزوجة ليسرحوا ويمرحوا في أرجاء المعمورة؟ هل قامت هذه الصحافة بحملة ضد أصحاب العقوق لأباءهم وتكلمت عن دور العجزة ومن فيها من أباء وأمهات ...؟

إن هذه الصحافة وهذه الأقلام تمارس دوراً مشبوهاً وخطيراً من ناحيتين :
الناحية الأولى : الحديث عن الأمر وكأنَّه ظاهرة تفشت وأصبحت السائدة, وأيضاً أخذ هذه الجزئية من مشاكل الأسرة, التي هي كثيرة ومتنوعة, من إهمال للأبناء, وتبرج وسفور, وأثر سيء للقنوات الفضائية والجوال والنت على النشء, والإسراف والتبذير, والنزاعات والخصومات ... . وهنا لابد للمنصف أن يأخذ الأمر بصورة عامة ويعالج مكان القصور, دون إفراط ولاتفريط .

الناحية الثانية : عدم مراعاتهم لكيان وحرمة الأسرة في ظل الشريعة الإسلامية, وسلطة الأب والزوج والولي, ومخالفة صريحة لنصوص الكتاب والسنَّة, والأحكام الشرعية التي بسطتها كتب الفقه من قديم وحديث, وكأنَّي بهم يهددون كيان أهم مملكة في الدنيا وهي (مملكة الأسرة), إن مايفعله هؤلاء _سواء عن عمد أو غير عمد _لهو كارثة عظمى تجتاح ثوابت الأمة وأخلاقياتها, وتجعل الأسرة أرضاً مستباحة لشياطين الإنس والجنّ؛ وسيكون أثرُها مؤلماً في سلخ هوية المجتمع وخصوصيته .

إنَّ الدَّور هنا يتمثل في مسؤولية كل مؤمن ومؤمنة يخافون الله تعالى والدَّار الآخرة فيما استرعاهم الله تعالى من رعية .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }.
وروى النسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"
وقد روى ابن ماجة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما من مسلم يكون له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه- أو صحبهما- إلا أدخلتاه الجنة"
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب (أي القراءة). قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك. أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي وقد سماني جعلاً (أي خنفساً) ولم يعلمني من الكتابة حرفاً واحدا. فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إلي تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك "
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
وروى البخاري ومسلم قول النبي عليه الصلاة والسلام : "الرجل راع في بيت أهله ومسؤول عن رعيته ".

هذا بعض من الأدلة والأثار التي وردت بها الشرعية الإسلامية, وهذا مايجب أن تتظافر عليه جهود الأباء والمربين والخطباء والجمعيات ومراكز الدعوة والقنوات الفضائية والمواقع الألكترونية والصحافة, حتى تعيش الأسرة متكاتفة قوية تخرج أبناء صالحين لأنفسهم وأهليهم ومجتمعهم .

قال أحد السلف :
( ما أسوأ سوء الظن لولا أنَّ فيه حيطة * وما أحسن حسن الظَّن لولا أن فيه غفلة )

المصدر: منتديات ديوانية بني شهر

---

fgyd uk Hfd; hgYvihfd