الشريعة والحياة مخصص للمواضيع والقضايا الإسلامية المعاصرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-02-2011, 03:33 AM   #1
معلومات العضو
مركز تحميل الصور






وردة شايني غير متواجد حالياً

أحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
وردة شايني is on a distinguished road

كيف نبددهمومنا

نبددهمومنا





تضيق الأمور بالإنسان، وتكاد تأخذ بخناقه؛ مما يجعلُ الصدرَ منه ضيقاً حرجاً كأنما يصَّعَّد في السماء، فتتغير عليه الأرض برحابها، وتتبدل في عينيه، وهنا تستبد به المشاعر، وتنداح في هامته الخواطر، وتتقاذفه حينذاك أمواج من الحيرة، فلا تسل حينها عن ضعفه، وقلة حيلته، وهوانه حتى على نفسه التي بين جنبيه . وبينا هو يفكِّر ويقدِّر ويبدئ ويعيد، يلحظ أن الثقة بدأت تتسرب من نفسه مرتحلة؛ لتجعله بعد ذلك خاوي الوفاض من كل أمر راشد.



كل ذلك يحدث في بواكير المحن والهموم التي تصيب الإنسان، وهي تعظم وتأخذ بُعداً مبالغاً فيه بسببٍ من حضور الشيطان لتفاعلاتها، لينفخ فيها من روحه، ويجعل منها سبيلاً لزحزحة الإنسان عن مسلماته وإيمانه الراسخ بمقدور الله سبحانه وتعالى، حقق وعده بإغواء الآدمي، وإيراده حمأة الكفر التي هي بسبب من اليأس والقنوط من روح الله، و(لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) وكم ارتكس في هذا الأمر من إنسان؛ فخسر الدنيا والآخرة .



إنك لو تفكرت في الهموم والغموم وما يصيب الإنسان من كدر، لوجدت أنها: إما على أمر قد فات وانقضى، وإما على أمر لا زال في علم الغيب لا يُدْرَى ما الله فاعل فيه، ولن تجني من ذلك إلا الحُزن والخوف، وسترى عندما ينكشف الرَّهَجُ أنك قد بوأت نفسك منازل من لا خلاق له ولا عقل.
فما قد مضى لا يعيد إليك الحُزن شيئًا من فائِتِه، ولو أسبلتَ عليه ماء الشؤون، وأَتْبَعتَ النفس حسراتٍ عليه، وما هو آتٍ من الهموم والأكدار لن تدفعه تلك الزفرات والأنات، وقد ثبت في عرف الحكماء أن جُلَّ ما يتخوف منه الإنسان لا يقع، وإن وقع فالخطب منه لا خطر له.




فما يفعله الإنسان من حزن وخوف، لا يعدو أن يكون عبثًا منافيًا للحكمة، لأنك قد أنزلت حزنك وخوفك في غير مواضعه؛ حيث لا جدوى. ووَضْعُ الشيء في غير مواضعه منافٍ للحكمة، كما أن الحكمة أن تضع الشيء موضعه اللائق ، وذلك من توفيق الله للعبد، ولله در الشاعر عندما قال:



ووضع الندى في موضع السيفِ بالعُلَا




مُضِرٌّ، كوضع السيف في موضع الندى




وعندما تضرب الهموم والأحزان بأطنابها وتَنصِب رُوَاقها، تقذف في الرُّوع أن المصاب هو المصاب، وأن ما أصابك لم يُصَبْ أحد بمثله، ولو تفكرت وأبصرتَ لرأيت أنه ما من إنسان إلا وله نصيبه من الهم والحزن، وهو لا ريب لاحِقٌ به، لا فرق في ذلك بين غني أو فقير، أو ملكٍ أو حقير؛ لأنهم من أبناء الدنيا، وسنن الدنيا ماضيةٌ فيهم، ولازمة لهم، وآخذةٌ بحُجَزِهِم، ولن يكونوا عنها بمحيص، كما لم يكن لأسلافهم ذلك، وسنن الدنيا الأقذاء والأكدارُ:



جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنتَ تُرِيدُهَا



صَفْوًا من الأَقْذَاء والأكدارِ؟!




ومُكَلِّـفُ الأيامِ ضِـَّد طِبَاعِهَا



مُتَطَلِّــبٌ في الماءِ جَـذْوَةَ نَارِ!




حتى خِيرةُ الله من خلقه لم يكونوا خِلوًا من محن الدنيا ومواطن الأحزان، فكم عانى الأنبياء والمرسلون من لَأْوَاء الدنيا، وكم تكبدوا من غُصَصِهَا، حتى إنهم في ذلك على الضِّعْفِ منك ألمًا وكدرًا؛ لتُضَاعف لهم الحسنات، كما ضُوعِفت لهم المنغصات، قال النبي نبددهمومنا " أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ".



وهؤلاء الرهط الكريم من عِبَادِ الله، وإن ابتلوا بما ابتلوا به، إلا أن مرارة البلاء أضحتْ حلاوةً تستعذبها أفواههم؛ لأنهم خلطوا تلك المرارة بحلاوة الإيمان والتسليم والرضا، فغلبتْ حلاوة الرضا مرارةَ الشقاء، فكانوا في لذة لا يُدْرَكُ كنهها، ولا يُبلغ شأوها؛ لذا لا يبالون بأيٍّ من أفراح الدنيا أو أحزانها أُصِيبوا.



ربما استبد بك العَجَبُ وأخذ منك كل مأخذ: كيف بَلَغَتْ هذه النفوس المطمئنة تلك المنازل! وكيف بوأت نفسَها تلك المكانة الرفيعة من الرضا؟ لا ريبَ أنَّ السبيلَ إلى ذلك التسليمُ لأقدار الله، ومَنْ مَشَى مع القدر استراح؛ لأنهم أصبحوا على يقينٍ أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم ، وما أخطأهم لم يكن ليصبيهم.



وما أُصِيبَ من أصيب في دينه قَبْلَ دنياه إلا لغياب ذلك المفهوم عنهم، وأولئك الرهط وإنْ جَعَلُوا من القدر تُكَأةً للتسليم، إلا أنه تسليم إيجابي؛ لذا نراهم يحاولون دفع المقدور بالقدر نفسه، بفعل الأسباب التي تخفف عنهم وطأة ذلك المقدور، ويجلبون لتلك الأسباب ما يبعث فيها البركة من: دعوة صادقة، ومقولة مأثورة، وقد قال النبي نبددهمومنا " لا يرد القدرَ إلا الدعاءُ ".



وكم للدعاء من أثر على مقدور الله! فربما ارتفع الدعاء ونزل القدر، فرفع الدعاءُ القدرَ فمنع وقوعه، وربما كانا في منزلة واحدة من القوة، فحينها يعتلجان إلى قيام الأشهاد، فلا القدر ينزل، ولا الدعاءُ يرفعه، وربما كان الدعاء من الضعف بمنزلةٍ فينزل القدر، ولكن يبقى للدعاء أثره في تخفيف المقدور وإلطافه، وهنا ندرك خطأ من يقول:" اللهم إنا لا نسألك رد القدر، ولكنا نسألك اللطف فيه". بل القدر يُرَدُّ، ويُرَدُّ بالدعاء الصالح، وكم من الأقدار رُدت بدعاء الصالحين، وربكم لطيف كريم سبحانه!



فيا من أصيب بالهم والحُزْن عليك بالدعاء، ادع الله موقنًا بالإجابة، وسترى من صنيع الله ولطفه ما يطيش له لُبُّكَ وفؤادك، عليك بالدعاء فأكثر منه، والحق سبحانه وتعالى أكثرُ بكرمه وجوده ولطفه بعباده.



دخل رسول الله نبددهمومنا ذاتَ يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: " يا أبا أمامة: ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟" قال: همومٌ لزمتني وديون يا رسول الله. قال: "" أفلا أعلمك كلامًا إذا أنتَ قُلْتَهُ أذهب الله عزَّ وجلَّ همك وقضى عنك دَيْنَكَ؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: ""قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني دَيْني.
ولا يفوتنك وأنت تدعو بتفريج همك وتنفيس كربك أن تقول: "اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أَمَتِك، ناصِيَتِي بيدك، ماضٍ فِيَ حكمك، عدل فِيّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سَمَّيْتَ به نفسك، أو أنزلْتَهُ في كتابك، أو عَلَّمْتَهُ أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن رَبِيعَ قلبي، ونُور صدري، وجِلَاء حزني وذَهَاب همي " . فما من عبد يقول ذلك إلَّا أذهب الله حزنه وهَمَّه، وأبدله مكانه فرحًا.



ولو تخيرتَ لدعواتك تلك الأزمانَ الفاضلةَ: كثلث الليل الآخر، وما بين الأذان والإقامة من كل صلاة، أو الساعةَ الأخيرة من يوم الجمعة. . فلا ريبَ أنك لُقِّيتَ الخير من أقطاره، ولو جعلتَ بين تلك الدعوات الطيبات شيئًا من النوافل، أو شيئًا من الصدقات، فقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لك، لِتَرِدَ بسببٍ من ذلك حياضَ الأمن واليُمْنِ والراحة والاستقرار، والله لطيف بعباده.



وحين يستفرغ الإنسان جَهْدَهُ دعاءً لربه، ولياذاً بجانبه، صادقاً موقناً بالإجابة، لا ريب أنه ينتظر الفرج وموعودَ الله بإجابةِ دعاء مَنْ دعاه ، ولا ريب أن انتظار الفرج عبادةٌ من العبادات؛ لأن العبد إذ ذاك في قُرْبٍ من مولاه، وعلى تَعَلُّقٍ بجنابه في ذلة وافتقار، وهذه –ورَبِّي- منزلةٌ قل أن يصل إليها العباد، ولو لم تكن تلك البلية التي أحاطت بك لما ذقت لها طعمًا ، ولربما خرجتَ من الدنيا ولم تنل منها حظك، فانظر كيف أتتْ هذه المحنة بتلك المنحة، وكم لله من محنة فيها للعبد منحة!
(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). فلا تكرهَنّ من أمر الله شيئًا أيها العبد، فكن لله، وكن مع الله، ولتكن إلى الله في سائر أحوالك، ولا ريب أنّ من كان على هذا الهَدْيِ سعد في الدنيا والآخرة، وإنك عندما تنظر في الأمم التي تنكبت هدي ربها رأيت فيها من آثار الهموم والأحزان ما يَجِلُّ عن الوصف، حتى بلغ من يتخلصون من الحياة بسببه مئات الآلاف سنويًّا.



;dt kf]]il,lkh

 

  رد مع اقتباس
قديم 09-03-2011, 01:06 AM   #2
معلومات العضو
http://www.baniathlah.net/uploads/1418383841111.png
 
الصورة الرمزية أميرة باخلاقي
 






أميرة باخلاقي غير متواجد حالياً

أحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10000
أميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond reputeأميرة باخلاقي has a reputation beyond repute

افتراضي رد: كيف نبدد همومنا ؟؟

بارك الله فيك وجزاك خيرا
كلام رائع..

 

__________________




سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه

  رد مع اقتباس
قديم 10-06-2011, 05:12 AM   #3
معلومات العضو
مركز تحميل الصور
 
الصورة الرمزية بحور الوفاء
 






بحور الوفاء غير متواجد حالياً

أحصائية الترشيح

عدد النقاط : 390
بحور الوفاء is just really niceبحور الوفاء is just really niceبحور الوفاء is just really niceبحور الوفاء is just really nice

افتراضي رد: كيف نبددهمومنا

الغالية وردة شايني

كتب الله لك الاجر بما نقلتي

وجعلنا الله جميعا من الذاكرين لله والذاكرات .

 

  رد مع اقتباس
قديم 10-06-2011, 04:16 PM   #4
معلومات العضو
مركز تحميل الصور
 
الصورة الرمزية حلا النماص القشيريه
 






حلا النماص القشيريه غير متواجد حالياً

أحصائية الترشيح

عدد النقاط : 44990
حلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond reputeحلا النماص القشيريه has a reputation beyond repute

افتراضي رد: كيف نبددهمومنا

جزااااااااااااااااااااااك الله كل خير عزيزتي

وكتب لك الاجر على هذا الطرح الراااااائع

 

__________________




تحــدثّـوآ وأنثـروآ آلحــروف ب مــآشئتـم ..!
إلا ( آلـنوآيـآ ) لآ تمسـوآ .. طهـرهـآ ..!
..... أتـركـوهـآ !
ف آلــرب أعْـلم ب آلخفـآيّـآ ...!
...............

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...

RSS | RSS2 | XML | MAP | HTML


جميع ما يطرح في المنتدى من مواضيع وردود لا يعبر عن رأي إدارة الموقع بل عن رأي كاتبها

Security team