المنداة أو (المشرقة ) في الزمن الجميل

المنداة أو (المشرقة ) في الزمن الجميل

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المنداة أو (المشرقة ) في الزمن الجميل
من أجمل الصور التي لاتزال عالقة بذاكرتي وذهني منذ طفولتي , والتي أريد نقلها لكم بكل صدق من الزمن الجميل , صورة المنداة أو المشرقة في قريتي آل سلامة , والتي كانت متنفساً لكبار السن من الجنسين في الزمن الجميل , ولا تكاد تخلو قرية من قرى المنطقة كلهامن ذكريات لها مع منداة شبيهة بهذه المنداه , بداية من تنومة وانتهاءً بآخر قرية من بلاد بني عمر حيث كان لكبار السن مع الشمس في فصل الشتاء حكايتان ورحلتان , صبحاً وعشياً , فالرحلة الأولى في الصباح الباكر والثانية في المساء عند قرب أفولها , ولهذا وجدت الحديث في هذا الموضوع مناسباً , خصوصاً وقد بدأ علينا هذا الفصل بزمهريره القارس, فمما علق بالذاكرة ومع بواكير الصباح الأولى ومع بزوغ شمس يوم جديد , وبعد أن يحتسي الواحد منهم قهوته الصباحية كان على موعدِ جديد مع صحبه الكرام والذين لطالما إجتمعوا في منتداهم والفوا البقاء به حتى تحرقهم الشمس. وذلك لعدم وجود وسائل التدفئة التي ننعم بها في هذا الزمن ولله الحمد والمنة , وكان من أجمل المناظر حين نراهم يهرعون لذلك المكان , فعند ذهابنا للمدرسة كنا نرى كيف تكون الحميمية في لقاءآتهم , وكيف تكون صورة تلاقي رفاق العمر من كبار السن مع بعضهم البعض , وهنا أتحدث عن ذكرياتي عن المنداة ( المشرقة ) في قريتي والتي تعتبر صورة حية لأية منداة في المنطقة ككل , فالمكان الذي يتوافدون إليه , يتميز باستقباله لأشعة الشمس بحيث تغطي مساحة المكان كله , ولوقوعه على قارعة الطريق الواقع بين قرية آل سلامة وقرية آل الطوير اكتسب خصوصيةً فريدةً , حيث تقع في مكانٍ متوسط بين القريتين وتحتضن المكان وتحيط به الصخور من جهتي الغرب والشمال وجزء من الجنوب , ولايزال مكانها يعرف بما يسمى بالضرس حتى الآن , ولكن المنداه أو ( المشرقة ) اختفت للأسف الشديد , فقد أزيل هذا المكان بالكلية وعن بكرة أبيه بسبب الخط الإسفلتي الذي قطع أوصالها , وكذلك تدمير مكان العين التي سنورد ذكرها هنا , وهما الموقعان اللذان يحملان أحلى وأغلى الذكريات لي ولجيلي ولأجيال سابقة تعاقبت كان لهم معها حكايات وحكايات , وذكريات لايمحوها الزمن , وهذه المنداة تشرف على الوادي بأكمله بمزارعه وسواقيه , وكذلك تشرف على الكظامة أو ( عين الماء ) والتي تكاد تكون عين الماء الوحيدة والفريدة من نوعها في المنطقة , والتي لايشببهها عين أخرى في عذوبة مائها وغزارته وقدكانت مع أختها عين ابن مريعة في أعلى وادي رديحة والواقعة خلف منازل آل زحمي مع الحدود مع بني جبير تغذيان وتسقيان ذلك الوادي والذي تكتض جنباته بأشجار النبع أو ( الغرب والذي كانت تصنع منه الأواني الخشبية في السابق ومنها الصحاف والتي بلغت أسعارها مبالغ خيالية قبل فترة ) و على امتداده من بدايته وانتهاءً بملتقاه مع وادي نحيان حيث كان يغلب على الوادي مسمى واد الغرب فكان الماء يجري في الوادي كالنهر ليسقي تلك الأشجار الباسقة ويجري فيها جريان الدم في الوريد , وكان أكثر ما يسر الناظرين مشاهدة تدفق الماء من تلك العين وخريره الذي يسمع من مسافة بعيدة , ثم ماتحمله تلك الأشجار من الطيور بأعدادها المهولة , فتسمع تغريدها وزقزقتها في كل ناحية وكأنها قطع موسيقية تشنف الآذان وكذلك أهازيج الشباب والرجال مع السواني على الآبار من ساعات الصباح الأولى , ثم ماتسمعه من قهقهة للبنات على الكظامة وهن يجلبن الماء في القرب لبيوتهن حيث تقوم إحداهن بنثر الماء على بعضهن ويتمازحن كي يصنعن الإبتسامة مع بعضهن والمتعة لكل من يشاهدهن وكان هناك عدة أماكن مخصصة لاستراحة إحداهن حين تحمل القربة لمسافة طويلة ولتذويب بعض التعب . ومع كل استراحة تقضي أوقاتاً ممتعة مع صديقاتها وما يتخلل ذلك من المزح والنكات والقفشات اللذيذة فلا تصل إلى بيتها إلا وهي في غاية السعادة والحبور والراحة النفسية ولا بد أن تكون مغرفة الماء ملازمة لإحداهن فقد يحتاج أحد المارة لشربة ماء فتقوم بإروائه بها يقول الشاعر :
ماصدق ذا يقل من عالكظايم مر ظامي **** والله ما صدقه وآنا شربت بها ومريت
و من هنا نرى بأن كبار السن ممن أنعم الله عليهم بالذرية الصالحة قد أخذ استراحة محارب كما يقال , فكان هذا هو مكانه ومستراحه بعد أن أدى واجبه في الحياة , حيث نجدهم في أواخر أعمارهم بمثابة من يتقاعد من عمله اليوم فهم يزجون أجمل أوقاتهم في هذا المكان بالحديث عن ذكرياتهم وما يحفظونه من شعر أو يسرده بعضهم من فصص وأساطير , أو البحث عن من يقرأ لأحدهم مكتوب من عزيز غائب ونحوه , أو يتلو له عريضة في خصومة , أو ينقل معلومة مفيدة , أوما يتبادلونه من نكات وقفشات وعبارات مزح تشعرك بالمرح والدفء والحميمية التي جمعت عليها قلوبهم , ومع كل ذلك لايسقط لأحدهم عند الآخر قدراً أو منزلة وعندما تشتد حرارة الشمس لايكون أمام أحدهم إلا أن يعود فيتناول قروعه ( طعام الإفطار) والذي بالتأكيد يكون جاهزاً وقد تتكفل بعض النساء بإحضاره لهم جميعاً في هذا المكان الأخاذ ومن هنا فإننا نرى في تسمية منداة ما يوافق اسم منتدى بمفهومه المعاصر , ففيها يتم التعلم والتعليم . والتأدب والتأديب , والتواصل والمواصلة , والضحك والمحاورة , ويتم هناك الكثير من الفعاليات التي لها جمالها الأخآذ . وينطبق عليهم في ذلك الزمان قول الشاعر :
آلا يا ديرتي يـا زيـن ناسـك*** و يا زين الجبال اللـي حظنتـي
أنا احبك و أحسك في عروقـي*** فصيفـك فالربيـع إذا التثمتـي
و صبحك لشرقت طلـك تـلألأ*** و إذا جادت سحابـك وا رتويتـي
أنا فيني ملامح مـن شموخـك ***و طيب ٍ في رجاجيلك غرستـي
معاك ِ حق يـا نفسـي تباهـي*** بأصلـك بانتمائـك لفتخـرتـي
أنا مهما أغيب اشتـاق لرضـك*** و لا ني ناسي ٍ مهمـا ابتعدتـي
لسانـي وارث ٍ منطـوق جـدي*** يا نعم أرث الجدود اللي ورثتـي
أنا شهري و اعتـز أبجـذوري*** و صلتي يا الرسالة أو رجعتـي
هذا ماتيسر إيراد من أخبار المنتديات في الزمن الجميل وسنورد الكثير من أحداث الزمن الجميل إن كان في العمر بقية طبتم وطابت ليلتكم وتصبحون على خير وفمان الله .

كتبه أبو رشيد مساء ليلة السبت الموافق 22/ 1 / 1433 هـ

المصدر: منتديات ديوانية بني شهر

---

hglk]hm H, (hglavrm ) td hg.lk hg[ldg hglk]hm hg[ldg